وضع داكن
11-12-2025
Logo
أسماء الله الحسنى - إصدار 2008 - الدرس : 037 أ - اسم الله المصور 1
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
 

مِن أسماء الله الحسنى المصوِّر:


أيها الإخوة الكرام؛ مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، والاسم اليوم المُصوِّر، ولم يرِد هذا الاسم في القرآن الكريم إلا في آية واحدة، وهي قوله تعالى:

﴿ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)﴾

[ سورة الحشر ]

 

اسم المصوِّر أثره في المرحلة الثالثة بعد الخالق والبارئ:


ذكرت لكم أن الذين فسروا أسماء الله الحسنى جرت العادة عندهم أن يُفَسروا هذه الأسماء الثلاث معاً، الخالق، البارئ، المصوِّر، وقد بينت سابقاً أن الخالق يخلق كل شيء من لا شيء، على غير مثال سابق، بينما المخلوق إذا عُزِي إليه الخلق في نص الآية الكريمة حيث قال:

﴿ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)﴾

[ سورة المؤمنين ]

إذا عُزِي الخلق إلى الإنسان فهو يصنع شيئاً من كل شيء، وعلى مثال سابق، أما البارئ هو خَلْق، ولكن على نحو معين فيه الحكمة البالغة، وقد بيّنت لكم أيضاً أن الآية الكريمة:

﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2)﴾

[ سورة الأعلى ]

هذا الخلق بطريقة أو بخصيصة تكون كاملة ينتفع بها الآخر.
أما المصوِّر فمرحلة ثالثة، خلق كل شيء من لا شيء، وعلى غير مثال سابق، والذي خلقه خلقهُ على نحو كامل يُنتَفع به، كالماء الذي نشربه، أودع الله فيه خصيصة، وهي أنه إذا برّدناه، ووصلنا في التبريد إلى درجة زائد أربع، فإنه بدل أن ينكمش يتمدد، وبهذا التمدد يصلح الأمر، ولولا هذا التمدد لما كانت حياة على وجه الأرض، فالبارئ غير الخالق، خلق الخلق على نحو معين، فيه الحكمة البالغة، وفيه التقدير التام، وفيه العلم المطلق، أما المصوِّر هذا الشيء الذي خلقه على نحو معين أعطاه صورة.
للتوضيح، البناء يكون في الأصل على الهيكل، إسمنت، بعد الإسمنت يُكسى، بعد الكسوة يزيَّن، الطلاءات الخارجي، والرخام، والبلّور، هذه صورة، البناء في الأصل إسمنت مسلح، هيكل إسمنتي، لكن الأبنية الحديثة لها صور رائعة جداً، أحياناً كل البناء بلّور من الخارج، يُنظف باستمرار، له ألق، إذاً المصوِّر بعد الخلق والبُرْء تكون الصورة، الآية الكريمة: ﴿هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ .
 

الآيات الداعمة لمعنى البارئ:


من الآيات الداعمة لهذا المعنى:

﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11)﴾

[ سورة الأعراف ]

أحياناً تطَّلعون في بعض الصور المدرسية على إنسان على شكل عضلات فقط، منظره مخيف، لو رأيت وجه إنسان بلا جلد، العضلات مخيفة، يأتي هذا الجلد الأملس المشدود، شيء رائع جداً، الجمال كله في هذه الصورة ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ﴾ والآية الثانية:

﴿ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (64)﴾

[ سورة غافر ]

الإنسان متناظر، يكفي أن يأخذ الخيّاط طول اليد اليمنى، يكفي، اليسرى مثلها تماماً، يوجد تناظر، يوجد جمال، يوجد جلد، هناك عين لها لون خاص، هناك شعر له لون خاص: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ﴾ لذلك كان عليه الصلاة والسلام إذا نظر إلى نفسه في المرآة كان يدعو ويقول:

(( عن عبد الله بن مسعود: اللهمَّ كما حسَّنتَ خَلقي فحسِّنْ خُلُقي. ))

[ ابن حبان: السفاريني الحنبلي: شرح كتاب الشهاب: خلاصة حكم المحدث: إسناده جيد جداً ]

انظر أنت إلى ابنك الصغير بهذا الجمال الأخاذ، مَن صوَّره بهذه الصورة؟ عيون متناظرة، واسعة، خدٌّ أسيل، فيه تورّد أحياناً، شعر بلون رائع: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ﴾ ، ﴿وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ﴾ ، الآن:

﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6)﴾

[ سورة الانفطار ]

العادة أن الله سبحانه وتعالى يخاطب الإنسان، إما يخاطب عقله أو يخاطب قلبه، لكن هذه الآية الوحيدة التي فيها خطاب للعقل والقلب معاً: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ﴾ خطاب للقلب. 

إلى متى أنت باللذات مشغول                  وأنت عن كل ما قدمت مسؤول؟

[ البوصيري ]

* * *

﴿مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ﴾ لمَ لا تتوب؟

﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16)﴾

[ سورة الحديد  ]

تعصي الإله وأنت تُظهر حبه                 ذاك لعمـري في المقال شنيع

لو كان حبك صادقاً لأطـعتــه                 إنّ المحب لمـن يحب يطيـــع

[ الشافعي ]

* * *

إذاً يُخاطب الله في هذه الآية قلب الإنسان: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ﴾ الآن يخاطب عقله:

﴿ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8)﴾

[ سورة الانفطار ]

أي لا شك أن بعضكم ممن تقدمت به السن، يعلم أو يرى من قبل المركبة التي صُنِعت في عام ألف وتسعمئة وعشرة، التشغيل من الأمام بِعَتلة، والإضاءة بفانوس يُشعَل، والبوق بآلة بدائية على الضغط ضغط الهواء، والعجلات ليس فيها هواء، ليس هناك ماصات للصدمة إطلاقاً، والمحرك حركة واحدة، وازن بين مركبة صُنِعت في عام ألف وتسعمئة وعشرة ومركبة صُنعت في السنة الثامنة بعد الألفين، الفرق يكاد لا يصدق، يقول لك: فول أوبشن (Full Option ) أي  كاملة، ماذا يعني ذلك؟ أن الإنسان خبرته تتنامى، هل سمعتم أنه يوجد إنسان في الأربعينيات كان بوضع وفي الخمسينيات تعدّل؟ أضيفت له زيادات؟ أصابه تطوّر؟ أبداً، ماذا يعني ذلك؟ أن خبرة الله قديمة قِدَم وجوده، خلقه كامل مرة واحدة.
 

من معاني المصوِّر:

 

1 ـ جعل له شكلاً خاصاً معروفاً:

لذلك المصور اشتقاقاً اسم فاعل مِن صوَّر يُصوِّر مُصوِّر، والمصدر تصوير، صوَّر يُصوِّر تصويراً فهو مُصوِّر، معنى صوّر الشيء لغةً: جعل له شكلاً خاصاً معروفاً، الأب الذي عنده عدة أولاد، كل ولد صورة، من حيث اللون، من حيث الطول، من حيث شكل الوجه، هناك وجه دائري، ووجه مستطيل، هناك شعر أسود، شعر أشقر، جعل للشيء شكلاً خاصاً معروفاً. 

2 ـ قطعه وفصله وميّزه عن غيره:

هناك معنى آخر، صور الشيء قطعه، وفصله، وميّزه عن غيره، أنت لاحظ صنعة الإنسان القطع كلّها متشابهة، ليس لها شخصية، علب الطعام متشابهة تماماً، عبوات الأغذية متشابهة تماماً، أما الإنسان ليس هناك إنسان في الستة آلاف مليون يشبه الثاني، لا بشكله، ولا بطوله، ولا بلونه، ولا بملامح وجهه، ولا بطريقة مشيه، ولا بطريقة كلامه، ولا بنبرة صوته، لذلك قال بعض العلماء: والله يا رب لو تشابهت ورقتا زيتون لما سُمِّيتَ الواسع.
أيها الإخوة؛ صور الشيء قطعه، وفصله، وميّزه عن غيره، هذه روعة في الخَلق، نحن نحتال على ذلك نعطي رقماً للقطعة، المركبة لها رقم، الرقم يميزها، أما الله عز وجل يعطيك ملامح خاصة، أنت فرد. 

3 ـ جعل الشيء على شكل مُتصوَّر: 

أو صوّر الشيء جعله على شكل مُتصوَّر، أما الذات الإلهية كل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك.

﴿ وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)﴾

[ سورة الأعراف ]

مخلوقات الله عز وجل بإمكانك أن تتصورها. 

4 ـ صوّر المخلوقات بشتى أنواع الصور:

لكن أيها الإخوة؛ قال العلماء: الله المصور، أيْ صوّر المخلوقات بشتى أنواع الصور، هناك صور جلية، وهناك صور خفية، أنت تمسك كأس الماء تشربه، ماء صافٍ عذب زلال، لو وضعت هذا الماء تحت مجهر لرأيت ملايين ملايين ملايين البكتريات، فالصورة الجلية أنه ماء صافٍ، والصورة الخفية أن هذا الماء فيه مليارات البكتريات النافعة والضرورية.
الصور الظاهرة جلد أبيض، صقيل، جميل، رائع، لو وضعت هذا الجلد على مكبر، أو على مجهر إلكتروني، التلال، والوديان، والحفر، وأفواه البراكين، والشعر كأنه قش غابة، اختلف الوضع، فهناك صورة ظاهرة، هناك صورة حقيقية، فالله عز وجل خلق المخلوقات بشتى أنواع الصور، هناك صورة جلية، هناك صورة خفية، هناك صورة حسية وهناك صورة عقلية.
الإنسان قد يدخل أو قد يرى من الخارج بيتًا يأخذ بالألباب، ويكون صاحبه تاجر مخدرات، بنى ثروته على إفساد أخلاق الشباب، الصورة الظاهرة بيت فخم جداً، يشتهي كل إنسان أن يكون فيه، أما الصورة الباطنة بيت بُنِي على إفساد الشباب، تدمير الأسر، ابتزاز الأموال، تدخل إلى بيت صاحبُه إنسان مؤمن متواضع، بيت بسيط، مساحته صغيرة، ليس فيه أثاث فخم، فالصورة الظاهرة متواضعة جداً، لكن وراء هذه الصورة المتواضعة إنسان مستقيم، إنسان معطاء، إنسان بنى حياته على العطاء، بنى حياته على إكرام الناس، على إلقاء الأمن في قلوبهم، والهدى والرحمة في مشاعرهم.
 

التعلُّق بالحقائق لا بالصور والمظاهر:


هناك صورة جلية، هناك صورة خفية، لذلك بطولة المؤمن أنه لا يتعلق بالصورة الظاهرة، لا يُؤخذ ببيت فخم اشتري بمال حرام، لا يؤخذ بمركبة فارهة، ركبها صاحبها، وقد ابتز أموال الناس، لا، هناك صورة ظاهرة، هناك صورة خفية، وهناك صورة حسية، وصورة عقلية.
مرة حدثني أخ له أستاذ في الجامعة تقاعد، أستاذ من أساطين العلم، تقاعد وانحنى ظهره، وضعُف بصره، وكان في وضع صعب في آخر حياته، دخل إلى مسجد فرآه يصلي، فهرع إليه، وسلّم عليه بأدب جم، صديقه معه، قال له: مَن هذا؟ قال له: هذا عميد كليتنا، هذا مِن أعلم علماء النحو، هذا كذا، هذا كذا، فالصورة الظاهرة إنسان متقدم في السن، منحني الظهر، يرى بصعوبة، يمشي بصعوبة، لكن هذا في حقيقته أكبر عالم باختصاص معين، فهناك صورة ظاهرة، هناك صورة باطنة. 

5 ـ الله يُبدع صور المخلوقات ويُزَينها بحكمته ويعطي كل مخلوق صورته:

أيها الإخوة؛ من معاني اسم المصوِّر أن الله يُبدع صور المخلوقات، ويُزَينها بحكمته، ويعطي كل مخلوق صورته، كل واحد له صورة، أؤكد مرة ثانية أن هناك صورًا ظاهرة ينبغي ألا نؤخذ بها، كان عليه الصلاة والسلام كلما رأى شيئاً من الدنيا يقول:

(( عن أنس بن مالك: اللَّهُمَّ لا عَيْشَ إلَّا عَيْشُ الآخِرَهْ، فأصْلِحِ الأنْصارَ والمُهاجِرَهْ. ))

[ صحيح البخاري ]

الغنى والفقر بعد العرض على الله، أحياناً إنسان يرى بيتاً فخماً، سيارة فارهة، يرى حديقة غناء، مزرعة جميلة، يرى طعاماً، يرى أماكن جميلة، الدنيا ترقص الآن، الفتن يقظى، والدنيا حلوة نضرة، لكن سُمُّها في دسمها، ونساؤها تغوي وتردي وتشقي أحياناً، المرأة المتفلتة التي لا ترعى قيمة، ولا منهجاً، ولا شرعاً، تؤذي، أريد أن أقول لكم: بطولة المؤمن أنه يتعامل مع حقائق الأشياء لا مع صورها، لكن قال بعضهم: ما أجمل الدين والدنيا إذا اجتمعا، لا يوجد مانع.
 

الحظوظ الدنيوية موزَعة توزيع ابتلاء:


أيها الإخوة؛ هناك نقطة دقيقة جداً في هذا اللقاء الطيب، أن الحظوظ، الوسامة حظ، يوجد امرأة بارعة الجمال يتهافت عليها كل الرجال، تُخطب في سنّ مبكرة جداً، وهناك امرأة جمالها أقلّ مما ينبغي، وقد تكون عالمة، ومؤمنة، وطاهرة، هناك شيء تراه عينك على الشبكية، وهناك شيء يدركه عقلك، أنا أرى امرأة طاهرة، عفيفة، مستقيمة، تعرف ربها، قُلامة ظفرها أغلى من ملكات جمال العالم المتفلتات، البطولة أن تتعامل مع الحقائق.
هناك شيء قال لي أحدُهم: ذهبت إلى بلاد الغرب فماذا رأيت؟ قلت له: والله على الشبكية إذا كان بالأرض يوجد جنة هي هناك، على الشبكية فقط، طرقات، أبنية، حدائق، وسائل مواصلات، مطاعم، مقاصف، شيء يصعُب تصوره، على الشبكية، ثمانية سنتمتر للدماغ جهنم أحياناً طبعاً، فبطولتك لا أن تتعامل مع ما ترى، أن تتعامل مع الحقيقة المُرّة، وقد تكون الحقيقة المُرة أفضل ألف مَرة من الوهم المريح.
لذلك أيها الإخوة؛ الحظوظ، الجمال حظ، أحياناً الإنسان لونه يلفت النظر، أحياناً طوله يلفت النظر، ولاسيما المرأة، فهذه الحظوظ موزعة في الدنيا توزيع ابتلاء، توزيع امتحان، وسوف توزع في الآخرة توزيع جزاء، لذلك الغنى والفقر بعد العرض على الله، الجمال والقبح بعد العرض على الله، قد تأتي إنسانة من عشرة آلاف كيلومتر، من أجل أن تأخذ مبلغًا يسيرًا، وتعمل ليلاً نهاراً، لكنها مسلمة، مُصَلية، طائعة، ترسل هذا المال لأهلها الفقراء، على الشبكية إنسانة صغيرة، الحجم صغير، اللون غير مقبول، وضعها صعب، تعمل ليلاً نهاراً من أجل أن تُطعم أهلها في بلدها البعيد، وهناك إنسانة تسكن قصراً جميلاً، تركب مركبة فارهة، جميلة جداً، الجمال والقبح متى؟ بعد العرض على الله، كما قال الله عز وجل:

﴿ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3)﴾

[ سورة الواقعة ]

كان عليه الصلاة والسلام إذا أراد أن يصلي في بيته، لا تتسع غرفته لصلاته ونوم زوجته، لابد من أن تنزاح جانباً حتى يصلي، وهو سيد الخلق، وحبيب الحق، أمين هذه الأمة سيدنا أبو عبيدة بن الجراح، دخل عليه أحد الصحابة إلى بيته في الشام، غرفة فيها قِدرٌ مغطاة برغيف خبز، وسيفه معلق، وعلى الأرض جلد غزال يجلس عليه، قال له: ما هذا؟! قال له: هو للدنيا، وعلى الدنيا كثير، ألا يبلِّغنا المقيل؟
أيها الإخوة؛ مرة ثانية الحظوظ موزعة في الدنيا توزيع ابتلاء، وسوف تُوَزع في الآخرة توزيع جزاء، والآية الكريمة:

﴿ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21)﴾

[ سورة الإسراء ]

شخص معه تسعون مليارًا، وإنسان لا يملك ثمن لقمة طعام، إنسان بإمكانه أن يقصف هيروشيما بأمر وناغاساكي، ويموت ستمئة ألف إنسان بثلاث ثوانٍ، وإنسان لا يستطيع أن يتحرر من سجنه: ﴿انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ إنسان بأعلى درجة من الغنى، وإنسان فقير جداً، إنسانٌ صحيح وإنسان مريض، إنسان قوي وإنسانٌ ضعيف، إنسان وسيم وإنسان دميم، إنسان ذكي جداً وإنسانٌ محدود: ﴿انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ .
 

درجات الدنيا مؤقتة ودرجات الآخرة أبدية:


الآن دققوا في القسم الثاني: ﴿وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً﴾ درجات الدنيا مؤقتة، بينما درجات الآخرة أبدية.
أيها الإخوة الكرام؛ مرة ثانية، وأؤكد على هذا كثيراً الحظوظ؛ الغنى، الوسامة، القوة، الصحة، هذه حظوظ، هذه تُوَزّع في الدنيا توزيع ابتلاء، لا تغتر بالمال، الغنى والفقر بعد العرض على الله، لا تتألم إن لم تكن الصورة كما تتمنى، الجمال والقبح بعد العرض على الله، وسوف توزع في الآخرة توزيع جزاء، والبطولة من له:

﴿ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)﴾

[ سورة القمر ]

﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)﴾

[ سورة آل عمران ]

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور